المصدر: هآرتس
بقلم : ياغيل ليفي
نشر رئيس هيئة الأركان، إيال زامير، تقرير "تلخيص رئيس هيئة الأركان" المتعلق بتقرير لجنة سامي تورجمان بشأن تحقيقات "7 أكتوبر"؛ فإلى جانب تحمّل مسؤولية كبيرة عن الإخفاق العسكري، انزلق زامير إلى نقاش سياسي لا يدخل ضمن صلاحياته، بحيث اعتبر أن "العمليات المتتالية في قطاع غزة منذ سنة 2008 وحتى سنة 2021… ساعدت على ترسيخ التصور الخاطئ."
وبحسب قوله، "كانت تلك العمليات محدودة الأهداف، وتركزت على إضعاف العدو واستعادة قوة الردع، لا على الحسم."
يوجّه رئيس هيئة الأركان انتقاداً إلى القيادة السياسية، التي حددت أهداف العمليات، بحسب قوله؛ وهو ليس الأول الذي يفعل ذلك: لقد سبقه رئيس هيئة الأركان السابق أفيف كوخافي، الذي انتقد، حينها، "السياسة الإسرائيلية في العقود الأخيرة، والتي عرضت أهدافاً محدودة فقط للحرب." هذه الظاهرة فريدة في إسرائيل، حيث يتحدى الجيش سلطة القيادة السياسية بشأن تحديد أهداف السياسة.
إلّا إن زامير لا يكتفي بذلك، فالخلاصة التي توصّل إليها تخلق الانطباع المضلل أن الحسم حيال "حماس" كان مطروحاً كبديل حقيقي على طاولة الحكومة، وأن مجرد اتخاذ القرار كان كفيلاً بتحقيقه، وهو يعلم جيداً أن معنى مثل هذا الحسم كان احتلال القطاع وخوض قتال طويل لإخضاع الآلاف من مقاتلي "حماس"، والثمن المئات من القتلى من جنود الجيش الإسرائيلي وموت آلاف المدنيين الغزيين، ويعلم أن خطوةً كهذه لم تكن لتحظى بشرعية داخلية، أو دولية، والحقيقة أن عدم الحسم مع "حماس"، حتى بعد عامين من القتال الدموي، يوضح ذلك.
لكن زامير لا يكتفي بإبداء رأي سياسي، بل يعرضه بصورة أحادية الجانب. فعلاً، باتت السردية السائدة في الخطاب الإسرائيلي اليهودي، من اليمين إلى اليسار، أن أحداث7 أكتوبر" حدثت بسبب "التصور" - أي الرؤية التي تبنّت نهج احتواء "حماس"، بدلاً من قرار الحسم معها.
لكن ثمة سردية بديلة، حتى لو كانت حكراً على أقلية صغيرة، فمن منظور واسع، تُلقي هذه السردية على حكومات إسرائيل مسؤولية تعطيل مسارات المصالحة بين "حماس" ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي كان يمكن أن تليّن مواقف "حماس" وتعيد ترسيخ سلطة السلطة الفلسطينية في غزة، أو على الأقل، تحقيق تسوية طويلة الأمد مع إسرائيل.
ومن منظور أضيَق، يوجد أيضاً مَن لا يلغي نجاح خطوات إسرائيل إزاء "حماس" حتى سنة 2023، لكن الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو أوجدت دينامية زادت في دوافع "حماس" إلى التحرك - تغييرات في الوضع القائم في الضفة والقدس، والمسّ بحقوق الأسرى الفلسطينيين، والسعي لضمّ السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، مع تجاوُز المسألة الفلسطينية.
ليس من اختصاص رئيس هيئة الأركان أن يحسم بشأن ما الذي أدى إلى دفع "حماس"، على مر الزمن، إلى الهجوم، كما أن هذا ليس ضمن مجال خبرة هيئة الأركان؛ إن وظيفة رئيس هيئة الأركان هي شرح الإخفاق العسكري، وليس تحليل الإخفاق السياسي، أو استخلاص دروسه.
إن تشديد زامير على أن سياسة عدم الحسم هي جذر الإخفاق السياسي لا يمثل فقط تجاوزاً للصلاحيات، بل إن طرحها يساعد على تقديمها مسلَّمة غير سياسية، مصدرها الجيش، والأخطر من ذلك، أنها تخلق إطار عمل مستقبلياً قد يمنع مسبقاً أي إمكان لتسوية سياسية مع غزة، ويُبقي على الطاولة فقط نموذج الحرب المستمرة من أجل الحسم إزاء كل قوة عسكرية تتطور في القطاع. فوفق هذا المنطق، سيُعتبَر أي احتواء جديد عودةً فوريةً إلى "المفهوم". ومن دروس الحرب، يجب أن نفرض على الجيش التزام مهماته الأصلية.